فصل: المدلول اللغوي للبحر المسجور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والآية الثانية التي جاء بها القسم هي وكتاب مسطور، وقيل فيه إنه اللوح المحفوظ، وقيل إنه القرآن الكريم الذي ختم الله (سبحانه) به وحي السماء، وقيل هو التوراة التي تلقاها نبي الله موسي (عليه السلام) في الألواح التي أنزلت علي جبل الطور، وقيل هو إشارة إلي جميع الكتب التي أنزلها ربنا تبارك وتعالى علي فترة من الرسل بلغ عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر كما أخبرنا المصطفي صلى الله عليه وسلم، لأن أصلها واحد، ورسالتها واحدة، كما قيل إنها صحائف أعمال العباد.
والقسم الثالث جاء بـ الرق المنشور والرق هو جلد رقيق يكتب فيه، وقد يشير إلي الورق الذي يكتب عليه وإلي الألواح التي ينقش فيها، لأن الرق هو كل ما يكتب فيه، والمنشور أي المبسوط غير المطوي، وغير المختوم عليه، بمعني أنه مفتوح أمام الجميع، يستطيعون قراءته أو الاستماع إليه بغير حجر أو منع، فالقرآن الكريم يقرأه الخلق جميعهم، ويستمعون إليه بغير قيود أو حدود من أي نوع، وهكذا كانت الكتب السماوية التي سبقته بالنزول قبل ضياعها أو تحريفها، وفي النشر إشارة إلي سلامة الكتب السماوية من كل نقص وعيب.
وجاء القسم الرابع بصياغة والبيت المعمور وهو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة (أي مقابلتها إلي أعلي علي استقامتها)، وهو أيضا حيال العرش إلي أسفل منه وعلي استقامته، تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا منهم ثم لا يعودون إليه كما روي ابن عباس (رضي الله عنهما)، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض، ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوما لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: «فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم».
ويروي عنه صلى الله عليه وسلم وصفا مشابها للبيت المعمور في حديث الإسراء والمعراج، كما جاء في الصحيحين.
وجاء القسم الخامس بصياغة والسقف المرفوع وفيه قيل هو السماء القائمة بغير عمد مرئية، كما جاء علي لسان الإمام علي (كرم الله تعالى وجهه) ووافقه علي ذلك كثير من المفسرين، وإن قال الربيع بن أنس إنه العرش الذي هو سقف لجميع المخلوقات.
أما البحر المسجور فقد تعددت آراء المفسرين فيه، كما سنري في الأسطر القليلة التالية، ولكن قبل التعرض لذلك لابد لنا من استعراض الدلالة اللغوية للفظي البحر والمسجور.

.المدلول اللغوي للبحر المسجور:

(البحر) في اللغة ضد البر، وقيل إنه سمي بهذا الاسم لعمقه واتساعه، والجمع (أبحر) و(بحار) و(بحور)، وكل نهر عظيم يسمي بحرا، لأن أصل البحر هو كل مكان واسع جامع للماء الكثير، وإن كانت لفظة (البحر) تطلق في الأصل علي الماء المالح دون العذب، كذلك سمت العرب كل متوسع في شيء (بحرا) حتي قالوا: للمتوسع في علمه (بحرا)، وللتوسع في العلم (تبحر)، وقالوا: فرس (بحر) أي واسع الخطي، سريع الجري، وقيل: ماء بحر، أي ملح (مالح)، و(أبحر) الماء أي ملح، و(أبحر) الرجل أي ركب البحر، و(بحر) أذن الناقة أي شقها شقا واسعا فشبهها بسعة البحر علي وجه المجاز والمبالغة، ومنها سميت البحيرة وهي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها، وتطلق، فلا تركب ولا يحمل عليها، والبحيرة ابنة السائبة وحكمها حكم أمها عند العرب في الجاهلية.
أما وصف البحر بصفة (المسجور) فالصفة مستمدة من الفعل (سجر) و(السجر) تهييج النار، يقال (سجر) التنور أي أوقد عليه حتي أحماه، و(السجور) هو ما يسجر به التنور من أنواع الوقود، كما يقال (سجر) الماء النهر أي ملأه، ومنه (البحر المسجور) أي المملوء بالماء، المكفوف عن اليابسة، و(الساجور) خشبة تجعل في عنق الكلب فيقال له كلب (مسوجر) أي محكوم، والمسوجر المغلق المحكم الإغلاق من كل شيء.

.شروح المفسرين في تفسير القسم القرآني بالبحر المسجور:

أشار ابن كثير (يرحمه الله) إلي قول الربيع بن أنس أنه: هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل الله منه المطر الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها، أي أنه بحر من ماء خاص محبوس عند رب العالمين، ينزله سبحانه وتعالى يوم البعث فينبت كل مخلوق بواسطة هذا الماء من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من حبتها علي ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول.
وأضاف بن كثير وقال الجمهور هو هذا البحر، واختلف في معني المسجور فقال بعضهم المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا كقوله تعالى: وإذا البحار سجرت أي أضرمت فتصير نارا تتأجج محيطة بأهل الموقف كما روي عن علي وابن عباس، وقال العلاء بن بدر: إنما سمي البحر المسجور لأنه لا يشرب منه ماء، ولا يسقي به زرع، وكذلك البحار يوم القيامة.
وعن سعيد بن جبير: والبحر المسجور يعني المرسل، وقال قتادة: المسجور المملوء، واختاره ابن جرير، وقيل: المراد بالمسجور الممنوع المكفوف عن الأرض لئلا يغمرها فيغرق أهلها، قاله ابن عباس وبه يقول السدي وغيره، وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عز وجل.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين (رحمهما الله) في شرح دلالة القسم القرآني (والبحر المسجور) أي المملوء وذكرا أنه قول قتادة. وقالا قال مجاهد الموقد أي الذي سيسجر يوم القيامة لقوله تعالى: وإذا البحار سجرت.
وقال صاحب الظلال (يرحمه الله) كلاما مشابها يشير إلي أن البحر المسجور هو المملوء بالماء في الدنيا، أو المتقد بالنار في الآخرة، أو أن هذا التعبير يسير إلي خلق آخر كالبيت المعمور يعلمه الله.
وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن (غفر الله له) في تفسير قول الحق تبارك وتعالى(والبحر المسجور) ما نصه:
أي المملوء ماء يقال: سجر النهر، ملأه، وهو البحر المحيط، والمراد الجنس، وقيل الموقد نارا عند قيام الساعة، كما قال تعالى: وإذا البحار سجرت، أي أوقدت نارا، من سجر التنور يسجره سجرا، أحماه، وصف البحر بذلك إعلاما بأن البحار عند فناء الدنيا تحمي بنار من تحتها فتتبخر مياهها، وتندلع النار في تجاويفها وتصير كلها حمما.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم: إن البحر المسجور هو المملوء، وذكر صاحب صفوة التفاسير (بارك الله في عمره) أنه الموقد نارا يوم القيامة لقوله وإذا البحار سجرت أي أضرمت حتي تصير نارا ملتهبة تتأجج وتحيط بأهل الموقف.

.{البحر المسجور} في منظور العلوم الحديثة:

من المعاني اللغوية للبحر المسجور هو المملوء بالماء، والمكفوف عن اليابسة، وهو معني صحيح من الناحية العلمية صحة كاملة كما أثبتته الدراسات العلمية في القرن العشرين، ومن المعاني اللغوية لهذا القسم القرآني المبهر أيضا أن البحر قد أوقد عليه حتي حمي قاعه فأصبح مسجورا، وهو كذلك من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان في العقود المتأخرة من القرن العشرين، والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبدا، وهذا ما نفصله في الأسطر التالية:
أولا: (البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء والمكفوف عن اليابسة:
الأرض هي أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته بحوالي 1360 إلي 1385 مليون مليون كيلو متر مكعب، وهذا الماء قد أخرجه ربنا تبارك وتعالى كله من داخل الأرض علي هيئة بخار ماء اندفع من فوهات البراكين، وعبر صدوع الأرض العميقة ليصادف الطبقات العليا الباردة من نطاق التغيرات الجوية والذي يمتد من سطح البحر إلي ارتفاع حوالي ستة عشر كيلو مترا فوق خط الأستواء، وحوالي العشرة كيلو مترات فوق قطبي الأرض، وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الإرتفاع حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته. وهذا النطاق يحوي حوالي ثلثي كتلة الغلاف الغازي للأرض (66) والمقدرة بأكثر قليلا من خمسة آلاف مليون مليون طن، وهو النطاق الذي يتكثف فيه بخار الماء الصاعد من الأرض، والذي تتكون فيه السحب، وينزل منه كل من المطر، والبرد، والثلج، وتتم فيه ظواهر الرعد والبرق، وتتكون العواصف والدوامات الهوائية وغير ذلك من الظواهر الجوية، ولولا تبرد هذا النطاق مع الارتفاع ما عاد إلينا بخار الماء الصاعد من الأرض أبدا. وحينما عاد إلينا بخار الماء مطرا، وثلجا، وبردا، انحدر علي سطح الأرض ليشق له عددا من المجاري المائية، ثم فاض إلي منخفضات الأرض الواسعة ليكون البحار والمحيطات، وبتكرار عملية البخر من أسطح تلك البحار والمحيطات، ومن أسطح اليابسة بما عليها من مختلف صور التجمعات المائية والكائنات الحية. بدأت دورة المياه حول الأرض، من أجل التنقية المستمرة. لهذا الماء وتلطيف الجو، وتفتيت الصخور، وتسوية سطح الأرض، وتكوين التربة، وتركيز عدد من الثروات المعدنية، وغير ذلك من المهام التي أوكلها الخالق لتلك الدورة المعجزة التي تحمل 380،000 كيلو متر مكعب من ماء الأرض إلي غلافها الجوي سنويا، لتردها إلي الأرض ماء طهورا، منها 320،000 كيلو متر مكعب تتبخر من أسطح البحار والمحيطات،60،000 كيلو متر مكعب من أسطح اليابسة، يعود منها 284،000 كيلو متر مكعب إلي البحار والمحيطات،96،000 كيلو متر مكعب إلي اليابسة التي يفيض منها 36،000 كيلو متر مكعب من الماء إلي البحار والمحيطات، وهو نفس مقدار الفارق بين البخر والمطر من وإلي البحار والمحيطات.
هذه الدورة المحكمة للمياه حول الأرض أدت إلي خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها حوالي (97،2)، وإبقاء أقله علي اليابسة (حوالي 2،8)، وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات، وبقيت نسبة ضئيلة علي هيئة ماء عذب علي اليابسة (2،8 من مجموع كم الماء علي الأرض)، وحتي هذه النسبة الضئيلة من ماء الأرض العذب قد حبس أغلبها (من 2،052 إلي 2،15) علي هيئة سمك هائل من الجليد فوق قطبي الأرض، وفي قمم الجبال، والباقي مختزن في الطبقات المسامية والمنفذة من صخور القشرة الأرضية علي هيئة ماء تحت سطحي (حوالي 0،27 إلي 0،5) وفي بحيرات الماء العذب (حوالي 0،33)، وعلي هيئة رطوبة في تربة الأرض (من 0،01 إلي 0،18) ورطوبة في الغلاف الغازي للأرض تتراوح بين (0،0001 إلي 0،036)، وما يجري في الأنهار والجداول (حوالي 0،0047).
وتوزيع ماء الأرض بهذه النسب التي اقتضتها حكمة الله الخالق قد تم بدقة بالغة بين البيئات المختلفة بالقدر الكافي لمتطلبات الحياة في كل بيئة من تلك البيئات، وبالأقدار الموزونة التي لو اختلت قليلا بزيادة أو نقص لغمرت الأرض وغطت سطحها بالكامل، أو انحسرت تاركة مساحات هائلة من اليابسة، ولقصرت دون متطلبات الحياة عليها.
ومن هذا القبيل يحسب العلماء أن الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وفي قمم الجبال المرتفعة فوق سطحها إذا انصهر (وهذا لا يحتاج إلا إلي مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية) وإذا حدث ذلك فإن كم الماء الناتج سوف يؤدي إلي رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات الي أكثر من مائة متر فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان والممتدة حول شواطيء تلك البحار والمحيطات. وليس هذا من قبيل الخيال العلمي، فقد مرت بالأرض فترات كانت مياه البحار فيها أكثر غمرا لليابسة من حدود شواطئها الحالية، كما مرت فترات أخري كان منسوب الماء في البحار والمحيطات أكثر انخفاضا من منسوبها الحالي مما أدي إلي انحسار مساحة البحار والمحيطات وزيادة مساحة اليابسة، والضابط في الحالين كان كم الجليد المتجمع فوق اليابسة، فكلما زاد كم الجليد انخفض منسوب الماء في البحار والمحيطات فانحسرت عن اليابسة التي تزيد مساحتها زيادة ملحوظة، وكلما قل كم الجليد ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات وطغت علي اليابسة التي تتضاءل مساحتها تضاءلا ملحوظا.
من هنا كان تفسير القسم القرآني بـ (البحر المسجور) بأن الله تعالى يمن علينا (وهو صاحب الفضل والمنة) بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات، وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان علي اليابسة منذ خلق الإنسان، وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات متعددة أهمها ذلك السمك الهائل من الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض وعلي قمم الجبال، والذي يصل إلي أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي، وإلي ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي، ولولا ذلك لغطي ماء الأرض أغلب سطحها، ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية، والحيوانية، والنباتية، وهي احدي آيات الله البالغة في الأرض، وفي اعدادها لكي تكون صالحة للعمران.
من هنا كان تفسير القسم بـ (البحر المسجور) بمعني المملوء بالماء المكفوف عن اليابسة ينطبق مع عدد من الحقائق العلمية الثابتة التي تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق، وتشهد لسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة وبالرسالة.
ثانيا: (البحر المسجور) بمعني القائم علي قاع أحمته الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض فجعلته شديد الحرارة.
في العقود المتأخرة من القرن العشرين تم اكتشاف حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة والتي تكون فيما بينها ما يعرف باسم أودية الخسف أو الأغوار، وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة، ويشبهها العلماء باللحام علي كرة التنس (مع فارق التشبيه)، وتمتد هذه الأغوار في كافة الاتجاهات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات، ولكنها تنتشر أكثر ما تنتشر في قيعان محيطات الأرض، وفي قيعان عدد من بحارها، ويتراوح عمق الصدوع المشكلة لتلك الأغوار بين 65 كيلو مترا، و70 كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات، وبين 100 و150 كيلو مترا علي اليابسة (أي في صخور القارات)، وتعمل علي تمزيق الغلاف الصخري للأرض بالكامل، وتقطيعه إلي عدد من الألواح الصخرية التي تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة يسميه العلماء باسم نطاق الضعف الأرضي، وهو نطاق لدن، عالي الكثافة واللزوجة، تتحرك بداخله تيارات الحمل من أسفل إلي أعلي حيث تتبرد وتعاود النزول إلي أسفل، وهي بتلك الحركة الدائبة تدفع بكل لوح من ألواح الغلاف الصخري للأرض إلي التباعد عن اللوح المجاور في أحد جوانبه (في ظاهرة تسمي ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات)، ومصطدما في الجانب المقابل باللوح الصخري المجاور ليكون سلسلة من السلاسل الجبلية، ومنزلقا عن الألواح المجاورة في الجانبين الآخرين.
وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها، وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدي الألف درجة مئوية لتساعد علي دفع جانبي المحيط يمنة ويسرة، وتملأ المسافات الناتجة بالصهارة الصخرية المندفعة من باطن الأرض علي هيئة ثورات بركانية عارمة، تحت الماء، تسجر قيعان جميع محيطات الأرض، وقيعان أعداد من بحارها، وتجدد مادتها الصخرية بإستمرار.
وقد أدي هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات، وفوق قيعان عدد من البحار النشطة إلي تكون سلاسل من الجبال في أواسط المحيطات تتكون في غالبيتها من الصخور البركانية، وقد ترتفع قممها في بعض الأماكن علي هيئة أعداد من الجزر البركانية من مثل جزر كل من اندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، اليابان، هاواي، وغيرها، وفي المقابل تصطدم ألواح الغلاف الصخري عند حدودها المقابلة لمناطق اتساع قيعان البحار والمحيطات، ويؤدي هذا التصادم الي اندفاع قيعان المحيطات تحت كتل القارات وانصهارها بالتدريج مما يؤدي إلي تكون جيوب عميقة عند التقاء قاع المحيط بالكتلة القارية تتجمع فيها كميات هائلة من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة التي تطوي وتتكسر لترتفع علي هيئة السلاسل الجبلية علي حواف القارات من مثل سلسلة جبال الإنديز في غربي أمريكا الجنوبية، وهنا يستهلك قاع المحيط بالتدريج تحت الكتلة القارية، وإذا توقفت عملية توسع قاع المحيط فإن هذا القاع قد يستهلك بأكمله تحت القارة مما يؤدي إلي تصادم قارتين ببعضهما، وينشأ عن هذا التصادم أعلي السلاسل الجبلية من مثل جبال الهيمالايا التي نتجت عن اصطدام الهند بالقارة الأسيوية بعد استهلاك قاع المحيط الذي كان يفصل بينهما بالكامل في أزمنة أرضية سحيقة.